أحدث نقش من أم الجمال نصه عربي عثر عليه حتى الآن ، وقد أشار اليه (اسرائيل
ولفنسون) ونشرت صورته ( نبيهة عبود) وترجمه ( سفجت ووايت) : " الخليد
أعلى بن " . " عمري كتب عنه من " . " يقرؤه" . "
وهذا نصه كما قرأه ( ليتمان ) : " الله غفر لآليه " " بن عبيدة كاتب "
.
يتضح لنا من دراسة هذه الخطوط المنقوشة على الاحجارالتي عثر عليها،
وعلى كتابات اخرى كثيرة على البردى سنأتي على عرضها مما يعود لللفترة
المبكرة بأن الخط الذي عرفه العرب (بعد الخط- المسند الحميري وفروعه)
منذ البدء باسماء عدة منها الخط الحيري والخط الانباري والخط المكي
والخط المدني .الذي تؤكد المصادر المدعمة بالوثائق ان هذا الخط الذي
انتهى الى العرب الشماليين من الحيرة والانبار، كان كما يظهر من رسومة
هذه على نوعين مقو ر ومبسوط كل منهما غير مشتق من الآخر، فالنوع الاول
يميل الى التربيع " المزوى " في زواياه وتكثر المستقيمات في مسطحاته.
ونوع آخر لين يميل الى الانحناآت والاستدارات في حروفه. وكلاهما ينحدرا
ن من الخط الأول السينائي، السامي من سلسلة الخطوط السامية . ورد فى
القرآن الكريم في سورة العلق (الذي علم بالقلم) : هو الخط ، واول من خط
به، ادريس علية السلام.
وكان الخط الأول المزوي يستعمل للاغراض الجسام كنقش اخبار
ملوكهم وكتبهم المقدسة وضرب نقودهم. اما الخط الثاني اللين فكانت تؤدي
به الشؤون
ا لخاصة كتدوين مراسلاتهم وامورهم التجارية وغيرها قبل الاسلإم .
فهدا الخط المزوى الاول الذى يذهب الناس الى أنه خط الكوفة وهو أصل
الاقلام العربية المخترعة كان موجودا فى الحيرة والرها ونصيبين من قبل
ان يكون للكوفة وجود اذ ليس من المعقول ان ينشأ بين عشية وضحاها مع
انشاء الكوفة خط محكم بهذا الكمال. ولكن المعقول انه حين إنشات الكوفة
وصارت مركزأ دينيأ وسياسيا للدولة الاسلامية ناله من التجويد والتحسين
ما جعله يميز لكتابة المصاحف لجلال روعته. ولعل ذلك الخط كان يسمى ايضا
بخط الجزم .
وأماالخط اللين، الذى تكثر فيه الأستدارات كما سبق القول عنه وهو
المقور الاكثر مطاوعة وأسرع جريا للقلم وهو الذى عرف با لنسخى أو
النسخى الحجازى نسبة الى رحلته من الحيرة الى مدن الحجاز التجارية وعلى
رأسها المدينة " يثرب"، و"مكة" وكل الوثائق الموجودة فى المتاحف من
رسائل البردى وأقدمها المؤرخة سنة 22 هجرية الصادرة من أحد عمال عمرو
بن العاص على اهناسية فى مصر والمكتوبة بالعربية واليونانية تؤكد بأن
العرب قد تراسلوا بهذا النوع من الخط اللين، وتاريخ هذه الوثيقة لا
يزيد عن إنشاء الكوفة الا عامين اثنين، وهى مدة لا يمكن أن تكفى لاشقاق
وتوليد خط نسخى من خط كوفى واشاعته بهذه السرعة ما لم يكن أصله قديما
وشائع التداول.
ونقل الجوهرى شرقى بن القطامى: أن أول من وضع الخط رجل من طي كان قد
سمى كل واحد من أولاده بكلمة من ابي جاد وهم ثمانية.
وقال غيره: أول من اخترع وآلف بين حروف الخط العربى " ستة اشخاص من طسم
" (فى جزيرة العرب) كانوا نزولا عند عدنان بن ادد، وكانت أسما ؤهم: أ
بجد، و هوز، و حطى، و كلمن، وسعفص، و قرشت: فوضعوا الكتابة والخط على
أسمائهم: فلما وجدوا فى الالفاظ حروفا ليست فى اسمائهم الحقوها بها،
وسموها الروادف، وهى (ث خ ذ ظ غ ض)...، ثم انتقل عنهم الى الانبار،
واتصل باهل الحيرة، وفشا فى العرب ولم ينتشر كل الانتشار الى أن كان
المبعث..
وقيل: ان (نفيسا ونظرا وتيماء ودومة) بنى اسماعيل وضعوا كتابا
واحدا وجعلوه
سطرًا واحدًا موصول الحروف كلها
غير متفرق، ثم فرقه (نبت وهميسع وقيذار) وفرقوا الحروف وجعلوا الأشباه والنظائر.-
صبح الاعشى:-ج3: ص 9
وقد اكد لنا البلاذري الذي يروى عن عباس بن هشام بن محمد بن السائب
الكلبي عن جده وءن الشرقي القطامي ، أن ثلاثة من " طي " اجتمعوا في"
بقة" هم مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة وقاسوا هجاء
العربية على هجاء السريانية فتعلم منهم قوم من أهل الأنبار ثم. تعلم عن
هؤلاء نفر من أهل الحيرة،
يقول: وكان بشر بن عبدالملك الكندي اخو "الاكيدر" صاحب دومة الجندل
ياتى الحيرة فيقيم بها الحين فتعلم الخط العربي من أهلها- ثم أتى مكة
في بعض شأنه، فرآه سفيان بن امية بن عبد شمس وابو قيس بن عبد مناف بن
زهرة من كلاب يكتب، فسألأه ان يعلمهما الخط فعلمهما الهجاء ثم اتى بشر
وابو قيس الطائف فى تجارة يصحبهما غيلان بن سلمة الثقفي، وكان قد تعلم
الخط منهما، فتعلم الخط منهم نفر من أهل الطائف. ثم مضى بشر إلى ديار
مضر فتعلم الخط عنه نفر منهم ثم رحل إلى الشام فتعلم الخط منهم أناس
هناك.
وهذه الأقوال تشرح لنا كيف انتهت الكتابة من الحيرة إلى الحجاز
وعاصرت "سفياناً وحرباً" ولدى أمية.
ومعنى ذلك إن الكتابة العربية قد رحلت رحلتها الأخيرة إلى الحجاز في
خواتيم القرن السادس الميلادي وهو القرن الذي نجد صورة الخط على ما
نراه في هذه النقوش جميعا وما كتب بعدها مما وصل إلينا من أوراق البردى
وما تؤيده رواية ابن النديم بقوله: إن خط المدينة كان أنواعا منها المد
ور والمثلث والتئم ( الذي جمع بين النوعين).
والذي يعتقد العلماء من الافرنج ان هذا الخط اخذ عن خطوط أخرى ضاعت ولم
يبق منها سوى أسمائها وبعض آثارها. ولعل نعت "التئم " هو نوع خط الجزم
الذي أول أسوأ تأويل.
ولم يكن تمسك مؤرخي العرب بآرائهم جاء اعتباطاً، لان العرب كانوا
متصلين باليمن اتصالا وثيقا. فهم من اجل ذلك اخذوا خطهم من اليمن وان
كانوا قد تصرفوا فيه وغيروه عبر التاريخ فلنتخذ من أقوال أئمة الفكر
العلمي الإسلامي مثلا يحتذى، ولنثبت في نشر آرائهم للعمل على تصحيح
الأفكار الخاطئة في تاريخنا العلمي .
وهكذا لازمت الكتابة الإسلام منذ كتابة رسائل النبي وكتابة الوحي.
ثم لما فتح الله عليهم خرجت الكتابة العربية غازية مع الفتوح وانتشرت
في الأمصار، وتسمت بأسماء الأقاليم التي فتحت شرقاً وغربا وذلك لان
العرب كانوا يميلون إلى تسمية الخطوط بأسماء ألبلاد التي اشتهرت في صدر
الإسلام بتجويد الخط كالخط الكوفي والخط البصري والخط الواسطي والخط
الحيري (وهو الجزم) والخط المعقلي والخط المصري والخط النباري والخط
القيرواني والخط ألقرطبي والخط الشامي وغير ذلك مما يجده الدارس في
مضانه .
انظر:
اسد الغابة لابن الأثير ج3 ص 157 وصبح الأعشى ج 3
|